17 - 07 - 2024

عاصفة بوح | كشف المستور

عاصفة بوح | كشف المستور

بخصوص فيلم منى زكى "أصحاب ولا أعز" والهجوم عليه ووضعه على لوحة النشان للرماية بكل سهام الخطيئة والفجور والتحريض على الفسق وكان يمكن أن يضيفوا محاولة قلب نظام الحكم ، لولا بقية من الخجل.

نعم يمكن أن يصل الأمر إلى ذلك , أتصور أن أكثر الغاضبين للدين والأخلاق لم يشاهدوا الفيلم، ربما سمعوا من غاضبين آخرين الاتهامات الثلاثة الرئيسية.. أولها خلع منى زكى للأندر وير، ومصارحة الشابة فى رغبتها ممارسة الجنس مع صديقها، وقبول الأب لتغير اجتماعي، وهو ما يحدث فعليا فى الخفاء ، فالمجتمع يقبل بذلك للشباب مع أن الطرف الاخر فتاة، ولكن أهل الشاب لايسالون عن الطرف الآخر، لأنها ببساطة  ابنة أحد آخر لايهمهم مصيرها مادامت ليست ابنتهم، ونسوا أن هناك أهلا آخرين سوف يفكرون بنفس الطريقة، وقد تكون الطرف الآخر هى ابنتهم بالخصوص.. ماعلينا. التهمة الثالثة الموجهة للفيلم أنه صارح بوجود رجل مثلى لم يجاهر بها إلا عندما افتضح أمره، واكتشفنا أنه فصل من  عمله بسبب ئلك، فلم يتقبله مجتمعه ولا أصدقاؤه، وإلا كان أخبرهم بخطيئته تلك لأنه توقع رفضهم وغضبهم وقد حدث!

شاهدت الفيلم بعد قراءتي الهجوم عليه.. وكنت متربصة لأرى جريمة منى والفيلم بأجمعه وأحبطت تماما فلم أر منظرا خليعا ولا كلاما صادما أو إشارة خليعة وكلام قبيحا.. رأيت مواجهة صريحة لما يحدث فى المجتمع فعليا ويعرفه الجميع بلا استثناء الصغار قبل الكبار، من يمارسون ما يحدث فى الفيلم أو يعرفون من أقرب الأصدقاء والأقارب من يفعلون ذلك ويصمتون، سواء كانوا موافقين أو معترضين، ولكن كل ذلك لن يغير من الأمر شيئا، ولكنه جبن المواجهة وقانون الصمت والعيب من كشف المستور فقط ، ليحدث كل شيء فى السر، لكن إياك من المجاهرة! هى تلك الجريمة الفعلية للفيلم، فلا مقاومة ولا مواجهة ولا إصلاح.. إنما قانون هس هس!! 

لكن صناع الفيلم  لم يخفوا رؤوسهم في الرمال. واجهونا بما يحدث فعلا، هنا وفي لبنان ومعظم البلاد العربية والإسلامية فى الخفاء داخل مجتمعات معينة وأخرى فى العلن بدرجات مختلفة.

مشكلة الفيلم بدون مشهد خلع قطعة الملابس الداخلية دون أي عري، أنه واجهنا بأنفسنا، بمشاكل الزوجات الشرقيات المهملات جنسيا وعاطفيا وانفلات الأزواج فى حياة موازية، ورغم الإهمال والهجران فهم – أي الأزواج - يشعرون بأمان زائف مصدره أن الزوجة "متربية ومؤدبة ومتدينة" لايمكن أن تخطيء وتفعل مثله.

منتهى الاحتقار والإنكار لمشاعر النساء اللاتى يمكن أن يضعفن وقد يخطئن، والحكايات كثيرة، لكن الرجال لايتصورون ذلك، رغم أن كثيرا من علاقاتهم بنساء متزوجات، لأنه يحدث دائما لزوجات الآخرين وليس لتلك التى تتبعه على الورق!


الفيلم هنا يعرض أن منى زكى المصرية لم تفعل سوى أنها دخلت فى شات مع إنسان غريب، بسبب إحساسها بالوحدة والإهمال وشعورها بخيانة زوجها، وقالت بصراحة: كنت أريد أن أشعر أني مازلت امرأة، وهي التي قال عنها زوجها أنها طوال اليوم رجل وتريد أن تكون امرأة في الليل!، هكذا بمنتهى البساطة مع أن الدين ينظر للعلاقة الزوجية على أنها تحصين للزوجين من الخطيئة، ولكنه لم يفكر إلا في نفسه!

الاتهام بالفجور فى اكتشاف أن زوجة الصديق تخونه مع صديقه.. حقا؟ أهي أول مرة نعرف بذلك؟ أهي ول مرة نصدم أن يحدث هذا بشكل يومى فى جميع أنحاء العالم، حتى أن المغنى  الفرنسى انريكو ماسياس اشتهر باغنيته زوجة صديقى ؟ وهذا الصديق متعدد العلاقات وقد حملت منه مساعدته.. يحدث أيضا ومقبول فى عالم الذكور الذى يتحكم فى حياتنا ويتم إجهاض العشيقة أو زواجه منها عرفيا أو سرا، أو طردها وتركها لمصيرها،  والمجتمع عادي.. يوافق ويبرر للرجل، فهي من فرطت فى نفسها، وهو الفحل الجسور الذي يغار منه الرجال ويتمنون ما حصل منه، بل وينتظرون الفرصة على أحر من الجمر!

هل أدان أحد هؤلاء الرجال المتحرشين والمغتصبين أو هاتكي أعراض زوجات غيرهم،  حتى من أقرب الناس إليهم؟ كلنا نعلم وكلنا "عاملين من بنها".. المهم أن يكون الموضوع سريا جدا!

نأتى للجريمة الكبرى المتهم بها الفيلم.. وهي عرض نموذج الرجل المثلي.. الفيلم لم يشجع أو يؤيد تلك الممارسة الشاذة إلا بكلمة من صديقه المحامى حين عرف بفصله لهذا السبب، معلنا أنه يمكن ان يرفع قضية عمالية فقط. موضوع مهنى بحت، بل حين حدث خطأ واعتقد شخص أن المحامى هو "المثلى" لتبديل التليفونات ثار وغضب، معلنا أنه لا يمكن أن يرتكب هذه الحقارة، ثم نظر لصديقه بإشفاق. 

السؤال هنا، هل نحن سذج لانعرف أن مجتمعات عربية مشهورة بممارسة تلك العادة وهو أمر لا يتكلم عنه أحد و لكنه موجود بشكل عادى! 

شيء أخر، منذ 15 سنة كان إذا تم اكتشاف علاقة بين شباب، كانوا يعاقبون بـ "علقة متينة" ويلفظون خارج محيطهم، أما اليوم فى طبقات معينة أصبح الأمر معتادا فى كثير من الأماكن، وذهب الضرب والرفض وبدأ التماس الأعذار بأنهم (يا حرام) خلقوا بهذا الميل للمثلية، أو نتيجة اعتداء جنسي فى الصغر، أو لخبطة هرمونات.. تم القبول بذلك فى أوساط معينة، فلا يدعي أحد الغفلة ويقول أنه صدم من الشخصية الشاذة ولابد من سحل منى زكى لأنها مثلت فى هذا الفيلم الشائن من أصله! 

لا أحد يريد أن تعم الفحشاء بين أولادنا أو المتزوجين أو الكهول من المراهقهين الجدد ولكن أن نضع رؤوسنا فى الرمال ونقول كلاما غريبا مفاده أن الفيلم يشجع على كل أنواع الفسق لمجرد كشفه عنه، فذلك نفاق لامثيل له. 

يا سادة، الحقيقة أقذر من ذلك بكثير وكلنا نعرفها، بل ونغض الطرف عنها في كثير من الأحوال.. أذكركم بزنا المحارم واستمرار الجريمة لأنه لا أحد يريد أن يعترف بحدوثها فى كل الأوساط ، أذكركم بآخر الجرائم المنحطة التى بدات تطفح على مجتمعنا (المتدين بطبعه)، والتى نشرت فى الصحف ، خذ عندك و(لا يغمى عليك من الفظاعة) .. زوج يؤجر شخصا للاعتداء على زوجته وتصويرها للتنازل عن مستحقاته عند تطليقها، وآخر يطمع فى ميراث شقيقته فيرتب لاعتداء جنسي عليها ويحاول قتلها فعليا.. وتركيب صور لفتيات لابتزازهن وإجبارهن على إقامة علاقة جنسية رغما عنهن وإلا فالفضيحة والتشهير.. والتحرش بكل صوره في أماكن العمل قبل الشارع تحت التهديد بالفصل إذا لم يستجبن، فى ظل ظروف  أصبح العثور على وظيفة فيها يدخل تحت بند المعجزات. 

ماهى الكارثة حقا هنا؟ حدوث الفسق والشذوذ أم الحديث عنه وكشف المستور وإلقائه في وجه المجتمع، لعله يفيق للكارثة التى تحيط بنا وتحاصرنا حتى سيطرت علينا وأصبح على الجميع مواجهتها بحجمها  الحقيقي وعدم إنكارها، حتى يمكننا إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أتصور أن من يهاجمون الفيلم صدموا بإلقاء الحقيقة كاشفة وحية أمام وجوههم، لأنهم مطالبون ولو أخلاقيا أن يفعلوا شيئا فى محيطهم، بتربية أولادهم ونشر الوعى والأخلاق وصحيح الدين، أكثر من الجري وراء المظاهر والمادة لدرجة تنسيهم أن الاستثمار فى تربية النشء هو الغاية الحقيىقية، وما نراه من جرائم أبناء رجال السلطة والمال يدفعنا أن ننقذ أبناءنا قبل فوات الأوان!

هل اختلق الفيلم كل نلك الأحداث والشخصيات وبالغ فى الحديث عن انتشارها أم أثار فزع من يعايشها فى محيطه ولم يفعل شيئا لتغييرها حتى في حدود أسرته والمقربين منه؟ 

ذلك هو السؤال والاتهام للمشاهدين المجروحين من الفيلم! 
----------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

 

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | حسابات دقيقة وحسابات قبيحة